الاستدامة والأثر
تُعد الاستدامة حجر الزاوية في استراتيجية منطقة الابتكار بجامعة الملك فيصل، إذ تعبّر عن رؤية شاملة لتحقيق التوازن بين التقدم العلمي والحفاظ طويل المدى على البيئة، والمسؤولية الاجتماعية، والاستقرار الاقتصادي. ويعتمد نهج المنطقة على بنية تحتية خضراء، وترشيد استهلاك الموارد، والحصول على شهادات معترف بها عالميًا، والمواءمة الكاملة مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs). ولا تُعامل الاستدامة في الجامعة كمبادرة منفصلة، بل كقيمة مؤسسية راسخة تؤثر في جميع جوانب الحياة الجامعية، بدءًا من البنية التحتية والبحث العلمي وصولًا إلى التفاعل المجتمعي والحوكمة. وبهذا، تضمن أن يعود الابتكار بالنفع على الأجيال الحالية والمستقبلية على حد سواء.
ومن أبرز شواهد هذا الالتزام أن 100% من مباني منطقة الابتكار معتمدة كمباني خضراء، أي أنها مصممة وتُدار وفق مبادئ البناء المستدام. وتدمج هذه المباني تقنيات التصميم الذكي، مثل الإضاءة والتهوية الطبيعية، والاستخدام الفعّال للمواد وأنظمة الطاقة لتقليل الأثر البيئي. وقد أسهمت هذه الجهود في تحقيق معدل منخفض للغاية في كثافة استهلاك الطاقة، لا يتجاوز 25 كيلوواط/ساعة لكل متر مربع سنويًا، مما يعكس قدرة الجامعة على تلبية احتياجاتها من الطاقة بكفاءة مع خفض كبير في الانبعاثات الكربونية، ويضعها ضمن المؤسسات الرائدة عالميًا في الحفاظ البيئي.
كما تتماشى الأنظمة التشغيلية للجامعة مع أفضل الممارسات العالمية، ويتجلى ذلك في حصولها على عدة شهادات ISO في مجالات سلامة الغذاء، وأمن المعلومات، ومكافحة الآفات والأمراض النباتية، بما يضمن جودة وكفاءة العمل في هذه المجالات الحيوية. وتدعم هذه الشهادات هوية الجامعة المزدوجة كمؤسسة بحثية ومركز ابتكار عملي. فضلًا عن ذلك، حصلت الجامعة على اعتماد رسمي في البناء الأخضر والاستدامة، مما يعزز ريادتها في التنمية المسؤولة بيئيًا، ويبني الثقة مع الشركاء والممولين والمؤسسات العالمية.
وقد أظهرت جامعة الملك فيصل التزامًا عميقًا بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، محققة مراكز متقدمة على المستويين الوطني والدولي. ففي عام 2023، إذ جاءت في المركز الأول على مستوى السعودية في أربعة أهداف تنموية رئيسية: القضاء على الفقر (SDG 1)، والقضاء التام على الجوع (SDG 2)، والطاقة النظيفة وبأسعار معقولة (SDG 7)، والاستهلاك والإنتاج المسؤولان (SDG 12). وتأتي هذه الإنجازات نتيجة لسنوات من العمل المؤسسي المتواصل، والمواءمة الاستراتيجية، والاستثمار في برامج ومشاريع ذات أثر ملموس.
وعلى الصعيد العالمي، قفز تصنيف الجامعة في مؤشرات الاستدامة من الفئة 101–200 عالميًا في عام 2022 إلى المركز 99 عالميًا في عام 2023، لتكون ضمن أفضل 100 جامعة في العالم في مجال الاستدامة والأثر. ويعزى هذا التقدم إلى تحسن الأداء في عدة أهداف تنموية، مثل:
- في SDG 1، عززت الجامعة بحوثها حول الفقر، ووسعت برامجها لمكافحة الفقر، ودعمت أنظمة المساندة المجتمعية.
- في SDG 2، طورت برامج مكافحة الجوع من خلال مبادرات تغذية الطلاب، وتقليل هدر الطعام في الحرم الجامعي، وزيادة مخرجاتها من الخريجين الزراعيين بما يتماشى مع احتياجات الأمن الغذائي المحلي.
- في SDG 3 (الصحة الجيدة والرفاه)، حققت الجامعة تقدمًا في البحوث الصحية وتوسيع الشراكات مع مزودي الخدمات الصحية، رغم الحاجة إلى تحسين معدلات التخرج في التخصصات الصحية.
- في SDG 6 (المياه والصرف الصحي)، حصلت الجامعة على الدرجة الكاملة في إعادة استخدام المياه والاستهلاك المسؤول، مع انخفاض طفيف في برامج الوصول للمياه على مستوى المجتمع الأوسع.
- في SDG 7 (الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة)، حافظت على الدرجة الكاملة في كثافة استهلاك الطاقة، مع تعزيز الأبحاث والمبادرات المجتمعية في مجال الطاقة النظيفة.
- وفي SDG 8 (العمل اللائق والنمو الاقتصادي)، تحسن الأداء خاصة في التوظيف الآمن ودعم فرص العمل.
وباختصار، لا تقتصر الاستدامة في جامعة الملك فيصل على المقاييس البيئية، بل تمثل التزامًا متعدد الأبعاد لضمان أن تخدم أنشطة البحث والابتكار والبنية التحتية الصالح العام. ومن خلال المباني الخضراء، والشهادات الدولية، والريادة في مؤشرات أهداف التنمية المستدامة، برزت منطقة الابتكار كنموذج للتنمية المتكاملة والمستقبلية، مما يعكس فهمًا مؤسسيًا ناضجًا بأن الاستدامة ليست قضية بيئية فحسب، بل هي أساس لتحقيق أثر طويل الأمد في مجالات التعليم والاقتصاد والمجتمع والابتكار.